كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيه:
الأدعياء: جمع دعي وهو المتبنى أي: زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنيته ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبنى، بخلاف امرأة ابن الصلب لا تحل للأب {وكان أمر الله} من الحكم بتزويجها وإن كرهت وتركت إظهار ما أخبرك الله تعالى به كراهية لسوء المقالة واستحياء من ذلك، وكذا كل أمر يريده سبحانه: {مفعولًا} أي: قضاء الله تعالى ماضيًا وحكمه نافذًا في كل ما أراده لا معقب لحكمه.
{ما كان على النبي} أي: الذي منزلته من الله تعالى الاطلاع على ألا يطلع عليه غيره من الخلق {من حرج فيما فرض} أي: قدر {الله} بما له من صفات الكمال وأوجبه {له} لأنه لم يكن على المؤمنين مطلقًا حرج في ذلك فكيف برأس المؤمنين؟ وقوله تعالى: {سنة الله} منصوب بنزع الخافض أي: كسنة الله {في الذين خلوا من قبل} من الأنبياء عليهم السلام أنه لا حرج عليهم فيما أباح لهم، قال الكلبي ومقاتل: أراد داود عليه السلام حين جمع بينه وبين المرأة التي هويها، فكذلك جمع بين محمد وبين زينب. وقيل: أراد بالسنة النكاح فإنه من سنة الأنبياء عليهم السلام، فكان من كان من الأنبياء عليهم السلام هذا سنتهم، فقد كان لسليمان بن داود عليهما السلام ألف امرأة، وكان لداود مائة امرأة {وكان أمر الله} أي: قضاء الملك الأعظم في ذلك وغيره {قدرًا} وأكده بقوله تعالى: {مقدورًا} أي: لا خلف فيه ولابد من وقوعه في حينه الذي حكم بكونه فيه وقوله تعالى: {الذين} نعت للذين قبله {يبلغون} أي: إلى أممهم {رسالات الله} أي: الملك الأعظم، سواء كانت في نكاح أم غيره {ويخشونه} أي: فيخبرون بكل ما أخبرهم به {ولا يخشون أحدًا} قل أو جلَّ {إلا الله} فلا يخشون قالة الناس فيما أحل الله لهم {وكفى بالله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال {حسيبًا} أي: حافظًا لأعمال خلقه ومحاسبهم.
ولما أفاد هذا كله أن الدعي ليس ابنًا وكانوا قد قالوا: لما تزوج زينب كما رواه الترمذي عن عائشة تزوج حليلة ابنه قال تعالى: {ما كان} أي: بوجه من الوجوه {محمد} أي: على كثرة نسائه وأولاده {أبا أحد من رجالكم} لا مجازًا بالتبني ولا حقيقة بالولادة، فثبت بذلك أنه يحرم عليه زوجة الابن، ولم يقل تعالى من بنيكم؛ لأنه لم يكن له في ذلك الوقت سنة خمس، وما داناها ابن ذكر لعلمه تعالى أنه سيولد له ابنه إبراهيم عليه السلام مع ما كان له قبله من البنين الطاهر والطيب والقاسم، وأنه لم يبلغ أحد منهم الحلم عليهم السلام. قال البيضاوي: ولو بلغوا لكانوا رجاله لا رجالهم. انتهى. وهذا إنما يأتي على أن المراد التبني. وقال البغوي: والصحيح أنه أراد بأحد من رجالكم: الذين لم يلدهم. انتهى. ومع هذا الأول أوجه كما جرى عليه البقاعي.
ثم لما نفى تعالى أبوته عنهم قال: {ولكن} كان في علم الله غيبًا وشهادة {رسول الله} أي: الملك الأعظم الذي كل من سواه عبده {وخاتم النبيين} أي: آخرهم الذي ختمهم لأن رسالته عامة ومعها إعجاز القرآن فلا حاجة مع ذلك إلى استنباء ولا إرسال، وذلك مفض لئلا يبلغ له ولد إذ لو بلغ له ولد، لاق بمنصبه أن يكون نبيًا إكرامًا له؛ لأنه أعلى النبيين رتبة وأعظمهم شرفًا، وليس لأحد من الأنبياء كرامة إلا وله مثلها وأعظم منها، ولو صار أحد من ولده رجلًا لكان نبيًا بعد ظهور نبوته، وقد قضى الله تعالى أن لا يكون بعده نبي إكرامًا له.
روى أحمد وابن ماجة عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ابنه إبراهيم عليه السلام: لو عاش لكان صديقًا نبيًا وللبخاري نحوه عن البراء بن عازب. وللبخاري من حديث ابن أبي أوفى: «لو قضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي لعاش ابنه ولكن لا نبي بعده» وقال ابن عباس رضي الله عنه: يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنًا يكون من بعده نبيًا.
وروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه: لما حكم أنه لا نبي بعده لم يعطه ولدًا ذكرًا يصير رجلًا. وقيل: من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم، إذ هو كالوالد لولد ليس له غيره، والحاصل أنه لا يأتي بعده نبي مطلقًا بشرع جديد ولا يتجدد بعده مطلقًا استنباء، وهذه الآية مثبتة لكونه خاتمًا على أبلغ وجه وأعظمه، وذلك أنها في سياق الإنكار بأن يكون بينه وبين أحد من رجالهم بنوة حقيقية أو مجازية، ولو كانت بعده لأحد لم يكن ذلك إلا لولده، ولأن فائدة إثبات النبي تتميم شيء لم يأت به من قبله. وقد حصل به صلى الله عليه وسلم التمام، فلم يبق بعد ذلك مرام: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وأما تجديد ما وهي مما أحدث بعض الفسقة فالعلماء كافون فيه لوجود ما خص به صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن المعجز الذي من سمعه فكأنما سمعه من الله عز وجل؛ لوقوع التحقق والقطع بأنه لا يقدر غيره أن يقول شيئًا منه، فمهما حصل ذهول عن ذلك قرره من يريد الله تعالى من العلماء فيعود الاستبصار، كما روي في بعض الآثار: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» وأما إتيان عيسى عليه السلام بعد تجديد الهدى لجميع ما وهي من أركان المكارم فلأجل فتنة الدجال ثم طامة يأجوج ومأجوج ونحو ذلك مما لا يستقل بأعبائه غير نبي، وما أحسن قول حسان بن ثابت في مرثية لإبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم:
مضى ابنك محمود العواقب لم يشب ** بعيب ولم يذمم بقول ولا فعل

رأى أنه إن عاش ساواك في العلا ** فآثر أن تبقى وحيدًا بلا مثل

وقال الغزالي في آخر كتابه الاقتصاد: إن الأمة فهمت من هذا اللفظ ومن قرائن أحواله صلى الله عليه وسلم أنه أفهم عدم نبي بعده أبدًا، وعدم رسول بعده أبدًا، وأنه ليس فيه تأويل ولا تخصيص. وقال: إن من أوله بتخصيص النبيين بأولي العزم من الرسل ونحو هذا فكلامه من أنواع الهذيان لا يمنع الحكم بتكفيره؛ لأنه مكذب لهذا النص الذي أجمعت الأمة على أنه غير مؤول ولا مخصوص انتهى.
وقد بان بهذا أن إتيان عيسى عليه السلام غير قادح في هذا النص، فإنه من أمته صلى الله عليه وسلم المقررين لشريعته، وهو قد كان نبيًا قبله لم يستجد له شيء لم يكن، فلم يكن ذلك قادحًا في الختم. وهو مثبت لشرف نبينا صلى الله عليه وسلم إذ لولاه لما وجد، وذلك أنه لم يكن لنبي من الأنبياء شرف إلا وله صلى الله عليه وسلم مثله أو أعلى منه، وقد كانت الأنبياء تأتي مقررة لشريعة موسى عليه السلام مجددة لها، فكان المقرر لشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم المتبع لملته من كان ناسخًا لشريعة موسى صلى الله عليه وسلم وقرأ عاصم بفتح التاء والباقون بكسرها، فالفتح: اسم للآلة التي يختم بها كالطابع والقالب لما يطبع به ويقلب فيه، والكسر على أنه اسم فاعل. وقال بعضهم: هو بمعنى المفتوح يعني بمعنى آخرهم لأنه ختم النبيين فهو خاتمهم {وكان الله} أي: الذي له كل صفة كمال أزلًا وأبدًا {بكل شيء} من ذلك وغيره {عليمًا} فيعلم من يليق بالختم ومن يليق بالبدء.
قال الأستاذ ولي الدين الملوي في كتابه حصن النفوس: في سؤال القبر واختصاصه صلى الله عليه وسلم بالأحمدية والمحمدية علمًا وصفه برهان على ختمه، إذ الحمد مقرون بانقضاء الأمور مشروع عنده {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحكم بنيانه، ترك منه موضع لبنة فطاف به النظار يتعجبون من حسن بنائه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون بسواها، فكنت أنا موضع تلك اللبنة ختم بي البنيان وختم بي الرسل» وقال عليه الصلاة والسلام: «إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي يمحو الله تعالى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الله تعالى الناس على قدمي، وأنا العاقب» والعاقب الذي ليس بعده نبي.
ولما كان ما أثبته لنفسه سبحانه وتعالى من إحاطة العلم مستلزمًا للإحاطة بأوصاف الكمال قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي: ادعوا ذلك بألسنتهم {اذكروا الله} الذي هو أعظم من كل شيء تصديقًا لدعواكم ذلك {ذكرًا كثيرًا} قال ابن عباس: لم يفرض الله تعالى على عباده فريضة إلا جعل لها حدًا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر، فإنه لم يجعل له حدًا ينتهي إليه، ولم يعذر أهله في تركه إلا مغلوبًا على عقله. وأمرهم به في الأحوال فقال تعالى: {فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم}.
وقال تعالى: {اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} أي: بالليل والنهار والبر والبحر والصحة والسقم في السر والعلانية، وقال مجاهد: الذكر الكثير: أن لا ينساه أبدًا، فيعم ذلك سائر الأوقات وسائر ما هو أهله من التقديس والتهليل والتمجيد.
{وسبحوه بكرة وأصيلا} أي: أول النهار وآخره خصوصًا، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات؛ لكونهما مشهودين. كإفراد التسبيح من جملة الإذكار لأنه العمدة فيها، وقال البغوي: وسبحوه أي: صلوا له بكرة أي: صلاة الصبح، وأصيلا يعني صلاة العصر. وقال الكلبي: وأصيلا يعني صلاة الظهر والعصر والعشاءين وقال مجاهد: معناه قولوا سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فعبر بالتسبيح عن إخوانه، وقيل: المراد من قوله تعالى: {ذكرًا كثيرًا} هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث.
وعن أنس لما نزل قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي}.
وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله ما أنزل الله تعالى عليك خيرًا إلا أشركنا فيه أنزل الله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم} أي: يرحمكم {وملائكته} أي: يستغفرون لكم، فالصلاة من الله تعالى رحمة، ومن الملائكة استغفار للمؤمنين، فذكر صلاته تحريضًا للمؤمنين على الذكر والتسبيح. قال السدي: قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: أيصلي ربنا؟ فكبر هذا الكلام على موسى، فأوحى الله تعالى إليه قل لهم: إني أصلي، وإن صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كل شيء، وقيل: الصلاة من الله: هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده. وقيل: الثناء عليه. واستغفار الملائكة ودعاؤهم للمؤمنين ترحم عليهم، وهو سبب للرحمة من حيث أنهم مجابو الدعوة، فقد اشتركت الصلاتان، واللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه معًا، وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز. قال الرازي: وينسب هذا القول للشافعي رحمه الله تعالى وهو غير بعيد، وذلك لأن الرحمة والاستغفار مشتركان في العناية بحال المرحوم والمستغفر له، والمراد: هو القدر المشترك فتكون الدلالة تضمنية.
ولما كان فعل الملائكة منسوبًا إليه قال تعالى: {ليخرجكم} أي: ليديم إخراجه إياكم بذلك {من الظلمات} أي: الكفر والمعصية {إلى النور} إلى الإيمان والطاعة، أو ليخرجكم من الجهل الموجب للضلال إلى العلم المثمر للهدى {وكان} أي: أزلًا وأبدًا {بالمؤمنين} أي: الذين صار الإيمان وصفًا لهم {رحيمًا} أي: بليغ الرحمة بتوفيقهم حيث اعتنى بصلاح أمرهم واستعمل في ذلك ملائكته المقربين فحملهم ذلك على الإخلاص في الطاعات فرفع لهم الدرجات في روضات الجنات.
{تحيتهم} أي: المؤمنين {يوم يلقونه} أي: يرون الله تعالى: {سلام} أي: يسلم الله تعالى عليهم ويسلمهم من جميع الآفات، وروي عن البراء بن عازب قال: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} يعني يلقون ملك الموت فلا يقبض روح مؤمن إلا يسلم عليه، وعن ابن مسعود قال: إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام، وقيل: تسلم عليهم الملائكة وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم {وأعد} أي: والحال أنه أعد {لهم} أي: بعد السلامة الدائمة {أجرًا كريمًا} هو الجنة، وتقدم ذكر الكريم في الرزق، فإن قيل: الإعداد إنما يكون ممن لا يقدر عند الحاجة إلى الشيء عليه، وأما الله تعالى فغير محتاج ولا عاجز، فحيث يلقاه يؤتيه ما يرضى به وزيادة، فما معنى الإعداد من قبل؟
أجيب: بأن الإعداد للإكرام لا للحاجة. قال البيضاوي: ولعل اختلاف النظم لمحافظة الفواصل والمبالغة فيما هو أهم.
{يا أيها النبي} أي: الذي نخبره بما لا يطلع عليه غيره {إنا أرسلناك} أي: بعظمتنا إلى سائر خلقنا {شاهدًا} أي: عليهم بتصديقهم وتكذيبهم ونجاتهم وضلالتهم، وشاهدًا للرسل بالتبليغ، وهو حال مقدرة أو مقارنة لقرب الزمان {ومبشرًا} أي: لمن آمن بالجنة {ونذيرًا} أي: لمن كذب بالنار.
{وداعيًا إلى الله} أي: إلى توحيده وطاعته، وقوله تعالى: {بإذنه} حال أي: متلبسًا بتسهيله، ولا يريد حقيقة الإذن؛ لأنه مستفاد من أرسلناك {وسراجًا} أي: مثله في الاهتداء به يمد البصائر فيجلي ظلمات الجهل بالعلم للمبصر لمواقع الزلل كما يمد النور الحسي نور الإبصار {منيرًا} أي: نيرًا على من اتبعه فيصير في أعظم ضياء، ومن تخلف عنه كان في أشد ظلام. وعبر به دون الشمس مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج؛ لأن نور الشمس لا يؤخذ منه شيء، والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة، إذا انطفأ الأول يبقى الذي أخذ منه، وكذلك إن غاب النبي صلى الله عليه وسلم كان كل صحابي سراجًا يؤخذ منه نور الهداية كما قال صلى الله عليه وسلم: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».
قال ابن عادل: وفي هذا الخبر لطيفة: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل أصحابه كالسرج وجعلهم كالنجوم، لأن النجم لا يؤخذ منه نور بل له في نفسه نور إذا غرب لا يبقى نور يستفاد منه، فكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنور النبي صلى الله عليه وسلم فلا يؤخذ إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فأنوار المجتهدين كلهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولو جعلهم كالسرج والنبي صلى الله عليه وسلم كان سراجًا كان للمجتهد أن يستنير بمن أراد منهم ويأخذ النور ممن اختار وليس كذلك، فإن مع نص النبي صلى الله عليه وسلم لا يعمل بقول الصحابي، بل يؤخذ النور من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤخذ من الصحابي فلم يجعله سراجًا.
تنبيه:
جوز الفراء أن يكون الأصل وتاليًا سراجًا، ويعني بالسراج: القرآن، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي الذات واحدة؛ لأن التالي هو المرسل. وقوله تعالى: {وبشر المؤمنين} عطف على محذوف، مثل فراقب أحوال أمتك. ولم يقل أنذر المعرضين إشارة للكرم. وقوله تعالى: {بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا} كقوله تعالى: {أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا} والعظيم والكبير متقاربان.
ولما أمره سبحانه وتعالى بما يسر نهاه عما يضر بقوله تعالى: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} أي: لا تترك إبلاغ شيء مما أنزلت إليك من الإنذار وغيره كراهة لشيء من مقالهم وأفعالهم في أمر زينب وغيرها، فإنك نذير لهم، وزاد على ما في أول السورة محط الفائدة في قوله مصرحًا بما اقتضاه ما قبله {ودع} أي: اترك على حالة حسنة لك وأمر جميل بك {أذاهم} فلا تحسب له حسابًا أصلًا، واصبر عليه فإن الله تعالى دافع عنك لأنك داع بإذنه {وتوكل على الله} أي: الملك الأعلى {وكفى بالله} أي: الذي له الإحاطة الكاملة {وكيلًا} أي: حافظًا. قال البغوي: وهذا منسوخ بآية القتال.
ولما بدأ الله تعالى بتأديب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر ما يتعلق بجانب الله تعالى بقوله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله} وثنى بما يتعلق بجانب من هو تحت يده من أزواجه الشريفات بقوله تعالى بعده: {يا أيها النبي قل لأزواجك} وثلث بما يتعلق بذكر العامة بقوله تعالى: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا} وكان تعالى كلما ذكر لنبيه مكرمة وعلمه أدبًا ذكر للمؤمنين ما يناسبه، فلذلك بدأ في إرشاد المؤمنين بجانب الله تعالى فقال: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} ثم ثنى بما يتعلق بجانب من تحت أيديهم بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات} أي: عقدتم على الموصوفات بهذا الوصف الشريف المقتضى لغاية الرغبة فيهن، وأتم الوصلة بينكم وبينهن ثم كما ثلث في تأديب النبي صلى الله عليه وسلم بجانب الأمة ثلث في حق المؤمنين بما يتعلق بهم فقال بعد هذا: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
فإن قيل: إذا كان هذا إرشادًا بما يتعلق بجانب منه ومن خواص المرأة فلم خص المطلقات اللاتي طلقن قبل المسيس بقوله تعالى: {ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} أي: تجامعوهن، أطلق المس على الجماع؛ لأنه طريق له كما سمى الخمر إثمًا؛ لأنها سببه؟